رأي

إصلاحات الوزير عز الدين ميداوي: من أجل جامعة مغربية نزيهة تحترم الحقوق وتخضع للمحاسبة

 

إصلاحات الوزير عز الدين ميداوي: من أجل جامعة مغربية نزيهة تحترم الحقوق وتخضع للمحاسبة

بقلم إدريس السدراوي

لم يعد مقبولًا أن تبقى الجامعة المغربية أسيرة فضائح التحرش والفساد وبيع الشهادات، وهي مؤتمنة على تكوين أجيال المستقبل وصيانة حقهم في تعليم نزيه. وفي هذا السياق جاءت إصلاحات الوزير عز الدين ميداوي، خصوصًا ما يتعلق بولوج سلك الماستر، لتؤسس لمرحلة جديدة تُبنى على الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.

قرار إلغاء المباريات التقليدية واعتماد الانتقاء عبر الملفات خطوة تاريخية، لأنها تُعيد الاعتبار لمبدأ تكافؤ الفرص، كما نص عليه الدستور المغربي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والميثاق العربي لحقوق الإنسان. لكن هذا الإصلاح البيداغوجي يجب أن يُترجم أيضًا إلى إصلاح حقوقي عميق، يحصّن الطلبة من الاستغلال والتحرش والتمييز.

حتى تنجح الإصلاحات، من الضروري أن يخضع كل مسؤول جامعي أو إداري للمحاسبة. وهذا يتطلب إخضاع عمل لجان الانتقاء لمراقبة لاحقة من هيئات مستقلة، وإقرار عقوبات جنائية في حق المتورطين في الفساد الجامعي أو التحرش، مع نشر تقارير شفافة سنوية حول مباريات الماستر والدكتوراه.

كما أن الجامعة لا يمكن أن تصلح نفسها بمعزل عن المجتمع. لذلك فإن إشراك الهيئات الحقوقية المعترف بها وذات الخبرة، إلى جانب المجتمع المدني والجمعيات الطلابية، يشكل عنصرًا أساسيًا في تتبع هذه الإصلاحات. فتح المجال أمام هؤلاء الفاعلين سيساعد في صياغة ميثاق أخلاقيات جامعية يلتزم به الأساتذة والطلبة والإدارة، ويعزز ثقة المواطن في الجامعة.

الإصلاح لا يكتمل إلا بوجود آليات عملية للتبليغ وحماية الضحايا، من خلال إحداث رقم أخضر وطني للتبليغ عن التحرش أو الفساد تحت إشراف مباشر للنيابة العامة، وتفعيل لجان أخلاقيات مستقلة داخل الجامعات تضم أساتذة وطلبة وممثلين عن المجتمع المدني، وضمان حماية المبلغين وسرية شكاياتهم.

ورغم أن هذه الإصلاحات انطلقت من سلك الماستر، فإنها تمثل منهجية إصلاحية شاملة يمكن تعميمها على باقي مستويات التعليم. ومن هنا تتجلى آمال كبيرة في أن تستمر هذه التجربة في ظل الحكومة المقبلة، وأن يتولى الوزير عز الدين ميداوي الإشراف على كل أصناف التعليم، من الابتدائي إلى الجامعي، بما يعزز وحدة الرؤية والإصلاح. كما أن المرحلة المقبلة تستدعي فتح حوار وطني واسع حول التعليم، بمشاركة مختلف الفاعلين من دولة، أساتذة، طلبة، أسر، ومجتمع مدني، لصياغة ميثاق وطني جديد للتربية والتعليم يعيد الثقة في المدرسة والجامعة معًا، في انسجام مع آليات الأمم المتحدة المعنية بالتعليم، وعلى رأسها توصيات اليونسكو بشأن الحق في التعليم، وأهداف التنمية المستدامة 2030 وخاصة الهدف الرابع، والملاحظات الختامية للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأمم المتحدة حول المغرب.

إنها لحظة تاريخية لإعادة الاعتبار للجامعة المغربية، والوزير عز الدين ميداوي فتح الباب واسعًا، لكن النجاح يتوقف على تعبئة كل الفاعلين الوطنيين، مع الاستئناس بمرجعيات الأمم المتحدة، من أجل تعليم عصري، نزيه، وملتزم بحقوق الإنسان، يربط بين الابتدائي والجامعي في مشروع وطني متكامل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى