
عندما يكون المرض العقلي خلف ابشع الجرائم…السجن ام المستشفى هو الحل؟
#القاسمي✍️
في الآونة الأخيرة، بات الشارع المغربي يستفيق كل بضعة أشهر على وقع جريمة مروعة تحمل تفاصيل مأخوذة من مخلية مخرج لأفلام الرعب، كما هو الحال مع سفاح تارودانت، الذي اعترف بقتل أطفال ودفنهم، أو ما وقع حديثًا في بن حمد إقليم سطات، حيث عُثر في مسرح الجريمة على جثث مقطعة ومخبأة بعناية شيطانية مع كبدة مشوية.
هذه الجرائم وغيرها باتت تطرح سؤالًا ملحًا..: هل تعاني بعض الشرائح من المجتمع المغربي من أزمة عقلية صامتة؟
وفق المندوبية السامية للتخطيط، فإن حوالي 48% من المغاربة يعانون من شكل من أشكال الاضطراب النفسي، خصوصًا بعد جائحة كوفيد-19.
المغرب لا يتوفر سوى على 343 طبيبًا نفسيًا (حسب تقرير وزارة الصحة لسنة 2022)، أي بمعدل طبيب نفسي واحد لكل 100,000 نسمة، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بمعدل لا يقل عن 1 طبيب لكل 10,000 نسمة.
كما لا تتجاوز الطاقة الاستيعابية للمصالح الاستشفائية النفسية في المملكة المغربية 2,434 سريرًا فقط، تشمل المستشفيات الجهوية والمصحات النفسية القليلة المتخصصة، وهو رقم ضئيل جدًا مقارنة بالحاجة الفعلية.
في المقابل، بلغ عدد السجون في المغرب 80 مؤسسة سجنية، بطاقة استيعابية تفوق 100,000 نزيل، وتكلف الدولة ميزانية ضخمة سنويًا تفوق 4 مليار درهم.
جائحة كوفيد-19: القشة التي قصمت ظهر الصحة النفسية.
أدت الجائحة إلى تفاقم الوضع النفسي لشرائح واسعة من المجتمع المغربي، وخصوصًا في الفئات الهشة أو المهمشة و الاكثر إنجاباً، حيث ارتفعت حالات الاكتئاب، الانعزال، ومحاولات الانتحار، في غياب الدعم النفسي العمومي، ما أدى إلى تطور بعض الحالات إلى ما يُعرف عند المختصين في علم النفس بـ”الذهان العنيف”، الذي يُمكن أن يكون دافعًا مباشرًا للجرائم الوحشية و خاصة جرام الأصول التي ارتفعت نسبتها في الاونة الاخيرة.
في كثير من الحالات، لا تأتي الأمراض النفسية من فراغ، بل تكون كذلك نتيجة لتعاطي مواد خطيرة، مثل الحشيش المدجن ، أو الأقراص المهلوسة التي صارت منتشرة في صفوف القاصرين.
وتشير الدراسات إلى أن الاستعمال المتكرر لمثل هذه المواد يؤدي إلى اختلالات عقلية خطيرة جدا و المصابين بها لايمكن توقفهم إلا بالرصاص الحي.
السؤال : هل تستطيع المؤسسات السجنية معالجة كل هذه الحالات المرضية؟
تشير تقارير صادرة عن المندوبية العامة لإدارة السجون إلى أن نسبة مهمة من السجناء يعانون من أمراض نفسية، غالبًا ما تُعامل كحالات عادية دون تشخيص أو علاج.
هذا الوضع يحوّل السجون إلى “خزانات للجنون غير المعالج”، ويزيد من احتمال تكرار الجرائم بعد الإفراج.
الحل الحقيقي على هذه الموجة من الجرائم البشعة لا يجب أن يكون عبر الزنازين بل عبر إصلاح جذري في المنظومة الصحية العقلية، من خلال:
بناء مستشفيات جهوية متخصصة.
▪︎ خلق وحدات تدخل نفسي سريع مرافقة للشرطة.
▪︎إطلاق حملات توعية على المستوى الوطني حول أهمية الصحة النفسية.
▪︎دعم الأسر التي تعاني في صمت من مرض أحد أفرادها.
كما يجب أيضا أن يكون هناك ردع حقيقي، لا فقط في العلاج بل في الضرب على يد المروجين والمهربين.
تشديد مراقبة الحدود والموانئ والمعابر الجمركية أمر أساسي.
ضرورة إعادة النظر في العقوبات المتعلقة بالاتجار في المخدرات القوية والعقاقير المهلوسة.
كثير من الدول مثل الصين وماليزيا تطبق عقوبة الإعدام في حق تجار السموم الذين يهددون مستقبل أجيال بأكملها.
ما نعيشه اليوم ليس مجرد قصص مرعبة بل نداء عاجل لإعادة التفكير في صحة المجتمع النفسية، لأن ترك الأشخاص يعانون في صمت دون علاج هو ما يؤدي إلى الكارثة. فإذا كانت الدولة تضع الأمن أولوية، فإن الأمن النفسي والعقلي جزء لا يتجزأ من أمن المواطنين. والرهان الحقيقي اليوم هو أن تبني الدولة المستشفيات بدل أن تبني السجون.
فلننقذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يفوت الأوان.